تحديات نفسية … كيف ننجو من آثار كورونا؟

 

سأل الموقع الالكتروني الخاص بـ “الجزيرة”، ما المشاكل النفسية التي عانى منها الأفراد خلال الجائحة؟ وما الدروس التي يمكن تعلمها من الشعوب التي مرّت بمآس خلفت صدمات نفسية؟ وهل دول الشمال الغنية تولي أهمية للصحة النفسية للأفراد ومستعدة للتعلم من تجارب دول الجنوب؟

هذه الأسئلة وغيرها طرحتها الكاتبة ريبيكا سيل في تقرير نشرته صحيفة “الغارديان” (theguardian) البريطانية، إذ نقلت عن أستاذ الطب النفسي في جامعة جورج واشنطن الدكتور براندون كورت تشديده على أهمية “التعافي الاجتماعي عندما تكون الصدمة جماعية مثلما هي الحال في الحرب أو الهجمة الإرهابية”.

كلنا نواجه الإجهاد والصدمة

وحسب كورت، الذي يعمل في ليبيريا وأوغندا ونيبال لدراسة التداعيات النفسية للأزمات والكوارث من إيبولا إلى الزلازل، فإن “العديد من البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل مثل جنوب أفريقيا والهند وأوغندا طرحت خلال الأشهر الأولى من انتشار فيروس كوفيد-19 خططًا للصحة العقلية والنفسية والاجتماعية. وعانت هذه الدول سابقا من الكوارث، واعتمدت خططا قد تكون مفيدة في دول أغنى مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة”.

ويضيف أن الأشخاص الذين يتكاتفون خلال التعافي من الأحزان تكون صحتهم النفسية أفضل ممن يختارون العزلة أو يكونون منبوذين. ويعتقد كورت أن المشاكل النفسية التي عانينا منها خلال الجائحة كان سببها العزلة التي اختبرناها جميعًا في وقت كنا نواجه فيه الإجهاد والصدمة.

اضطراب ما بعد الصدمة

وحسب الدكتورة ساريتا روبنسون، التي تدرس علم النفس الحيوي في جامعة سنترال لانكشاير، لا يطور كل شخص تعرض لكارثة مشكلة نفسية، مشيرة إلى أن “ما بين 5% و10% فقط من الأشخاص الذين مروا بأحداث مأساوية تتطور لديهم الأعراض السريرية لاضطراب ما بعد الصدمة”.

ومن بين كل 5 أشخاص تعرضوا لحالة طوارئ إنسانية، شخص واحد تقريبًا تتطور لديه مشكلة نفسية، في حين أن معدلات الإصابة باضطرابات نفسية خطيرة مثل الفصام تزداد من 2-3% إلى 3-4%.

وترى آشلي نيميرو، كبيرة مستشاري الجمعية التعاونية العالمية للصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي، التي تساعد الأشخاص الذين يعملون في الأزمات، أنه من غير المفاجئ أن يكون ارتفاع عدد المصابين بمشاكل نفسية راجعًا إلى الوباء.

التحديات النفسية للجائحة

وذكرت الكاتبة أن التحديات النفسية الناجمة عن الجائحة هائلة، لكن العديد من الأخصائيين النفسيين يعتقدون أنه لم تتم معالجتها على الإطلاق. ويؤكد ذلك ويليام فان دي بوت، المؤسس المشارك لدورة الصحة العقلية في حالات الطوارئ المعقدة، بقوله إن “كوفيد زاد الأمر سوءًا، وما يثير الاستياء في مجال الصحة العقلية العالمية هو عدم اتخاذ أي خطوات فعلية، ناهيك عن أن الحكومات غير مستعدة للتعامل مع هذه المشاكل”.

وتشير الأبحاث التي أجراها مركز الصحة العقلية هذا العام، إلى أن 8 ملايين بالغ بريطاني و1.5 مليون طفل سوف يحتاجون إلى دعم نفسي في السنوات العشر المقبلة كنتيجة مباشرة للوباء.

الاكتئاب تضاعف منذ بداية الوباء

ونقلت الكاتبة عن ليلى ريبورن من جمعية “مايند” الخيرية للصحة العقلية، أن بيانات مكتب الإحصاءات الوطنية البريطانية تُظهر بالفعل أن معدلات الاكتئاب تضاعفت منذ بداية الوباء، وأن “الأشخاص الذين تأثروا أكثر من غيرهم هم أولئك الذين كانوا يعانون من مشاكل نفسية مسبقًا، والأشخاص من ذوي البشرة الملونة، والمحرومون إضافة إلى الشباب”.

من جهته، يؤكد آندي بيل من مركز الصحة العقلية أن “نظام الرعاية الصحية في المملكة المتحدة قائم على التدخل والاستجابة المتأخرة للأزمات، إذ يحصل ثلث الأشخاص الذين يعانون من مشاكل نفسية شائعة فقط على الدعم. نحن لا نقدم الدعم النفسي بسرعة ونميل للانتظار حتى تصبح احتياجات الناس شديدة لدرجة يكون فيها العلاج المتخصص ضروريًا”.

وأشارت الكاتبة إلى أن العمل الذي قام به كورت وزملاؤه يُظهر أن التدخل المبكر في الأزمات فعال، خاصة عندما يتعلق الأمر بمشاكل الصحة العقلية الشائعة كالاكتئاب والقلق، لأنها لا تتطلب دائمًا متخصصين على مستوى عال من التدريب.

وفي الوقت الراهن، يحاول تحالف من الجمعيات الخيرية دفع الحكومة البريطانية إلى “تمويل مراكز الدعم النفسي” وإنشاء شبكة من مراكز الدعم غير الرسمية للأطفال والشباب، ومن بينها مركز “ذا ناست” في منطقة ساوثوارك بلندن الذي يقول 78% من مرتاديه إن مستوى رفاهيتهم النفسية قد تحسن بالفعل بفضل الخدمات التي يقدمها.

التحدي الذي فرضه الوباء

إن الطبيعة المستمرة للوباء ليست مفيدة للصحة النفسية. وحسب ما أوضحه كورت “تعمل أدمغتنا بطريقة مختلفة تمامًا عندما تتعرض لتهديدات طويلة الأمد، حيث تكون في حالة تأهب ويقظة دائمة، وهو ما يقلل من قدرتنا على التعاطف مع الآخرين”.

بعبارة أخرى، “لقد أصبحنا أكثر تركيزًا على مجموعة صغيرة من الأشخاص، ونعتبر أي شخص دخيل عليها تهديدًا. والتحدي الذي فرضه الوباء هو أنه حتى أفراد الأسرة الواحدة باتوا يشكلون تهديدا لبعضهم، خاصة قبل التطعيم. حتى إن الأطفال باتوا يمثلون تهديدا على صحة أجدادهم والعكس الصحيح. وهذا الأمر يجعلنا في حالة تأهب حتى مع الأشخاص الذين من الممكن أن يساعدونا. وعلى هذا النحو أصبحنا أقل تعاطفا وأكثر ميلا إلى إطلاق الأحكام والتحيز والتمييز”.

ويضيف كورت أنه بات أيضا من الصعب على الكثيرين التحكم في عواطفهم فيما يُطلق عليه “التنظيم الذاتي” الذي يعتمد على علاقتنا مع الآخرين أيضًا. والعيش بمفردك أو مع عائلتك المصغرة لن يساعدك على حسن إدارة مشاعرك والتحكم فيها.

وتقول نيميرو إن “أهم ما يوصى به في حالات الطوارئ الإنسانية هو التأكد من مدى قدرة الناس على السيطرة على أنفسهم والتحكم في مشاعرهم. وغالبا ما تنعدم هذه القدرة عند تضرر العلاقات الاجتماعية، وهو ما حدث نتيجة هذا الوباء. والافتقار إلى التواصل الاجتماعي والشعور بفقدان السيطرة من العوامل التي تؤدي إلى تدهور الصحة العقلية”.

من ينجو عندما تحدث كارثة؟ ولماذا؟

وبحسب أماندا ريبلي، مؤلفة كتاب “من ينجو عندما تحدث كارثة ولماذا؟”، فإنه “يتعين علينا أولا إدراك ضرورة إصلاح النسيج الاجتماعي. ففي أعقاب كل كارثة، يتضامن الأشخاص لفترة قصيرة قبل أن تأتي مرحلة الانقسامات. لذلك، يجب أن يكون إصلاح النسيج الاجتماعي رسالةً واضحة”.

وتؤكد ريبلي أهمية التنشئة الاجتماعية غير الرسمية مثل المسرحيات المدرسية، والشعائر الدينية في دور العبادة، فهي لا تعد أنشطة ممتعة فحسب، بل هي مفيدة أيضا للسلامة العقلية والرفاهية النفسية في المستقبل. وتضيف أن معرفتنا ببعضنا بعضا هي الطريقة التي تُبنى بها مرونة المجتمع، بحيث يصبح من الصعب تشويه صور بعضنا بعضا أو توقع الأسوأ.

وفي كتابه بعنوان “الثبات”، تحدث بروس دايزلي، نائب الرئيس السابق لتويتر، عن المرونة وكيف حافظ رجال الشرطة ورجال الإطفاء في خضم أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 على صحتهم النفسية من خلال التضامن مع زملائهم. وهو يرى أن “المرونة تمثل القوة الاجتماعية، حيث يساعدنا الترابط الاجتماعي على التعافي بشكل أفضل من الأزمات، ويحمينا من الاكتئاب ويحسن الرفاهية بشكل عام”.

ومن بين الطرق الأخرى للحد من التأثيرات النفسية للجائحة أن نسترجع عمدًا التجربة التي مررنا بها، وهي من الأساليب التي من شأنها أن تساعدنا على إدارة عواطفنا. وتقترح ريبلي قضاء 15 دقيقة في كتابة قصتك الخاصة عن الوباء كما لو كنت طرفا ثالثا مراقبًا. وهي تقول إننا نستطيع من خلال الكتابة إعادة تنظيم التجربة التي مررنا بها في أذهاننا، وهو أمر غير ممكن عندما تكون طرفًا في كارثة مستمرة.

وتقرّ الكاتبة بأنها جرّبت مؤخرا شيئا مشابها مستوحى من مقال بقلم ديزي داولينغ نشر في دورية “هارفارد بيزنس ريفيو”. وبدلا من كتابة القصة، تشجع داولينغ على سرد الإنجازات التي حققتها طوال الوباء. ويمكن أن تشمل هذه الإنجازات التحكم في غضبك عند التقاط ما أوقعه طفلك من أقلام الرصاص أثناء الدراسة في المنزل، أو طهو 654 عشاءً على التوالي منذ آذار 2020. وهي طريقة رائعة لاسترجاع ما حدث في العامين الماضيين وإعادة تأطيره.

 

(الجزيرة)

 

تابع كل المواضيع و الأخبار التي تهمك الان على واتساب اضغط على الرابط التالي https://n247.co/wp

زر الذهاب إلى الأعلى
error: